مودي والهيمنة الهندوسية- قمع مقبل أم قلق انتخابي زائل؟

من المتوقع على نطاق واسع أن يحقق القوميون الهندوس، بقيادة ناريندرا مودي، انتصارًا جديدًا في الانتخابات البرلمانية الهندية القادمة. وبمجرد حصولهم على هذا التفويض المتجدد، يُرجح أن يستغلوا سلطتهم لتقويض أي معارضة متبقية أمام هيمنتهم المتزايدة على الديمقراطية الهندية.
ويرى العديد من المحللين السياسيين أن فوزًا ساحقًا لناريندرا مودي وحزبه القومي الهندوسي، بهاراتيا جاناتا، هو نتيجة شبه مؤكدة في الانتخابات العامة الهندية الحالية. ويؤكد هؤلاء المراقبون أن السؤال المطروح ليس ما إذا كان مودي سيفوز، بل يتعلق بحجم المكاسب التي سيحققها من حيث المقاعد والأصوات.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الإجماع الظاهري حول نتيجة الانتخابات، فإن الحزب الحاكم وزعيمه يبدوان متوترين بشكل ملحوظ. وبالنسبة للكثيرين، بمن فيهم كاتب هذه السطور، فإن إعلان فوز مودي سيثير مخاوف عميقة من أن فترة أكثر قتامة وقمعًا ستعقب هذا الانتصار.
يبدو أن الحزب قد استنفد القضايا التي يمكن أن يحشد حولها الناخبين. فقد تحققت بالفعل وعود انتخابية طموحة، مثل بناء معبد رام في أيوديا على أنقاض مسجد بابري، الذي دمره حشد هندوسي متطرف في عام 1992.
لا شك أن الانتخابات الهندية تحظى بأهمية عالمية بالنظر إلى حجمها الهائل. فهي تعتبر الأكبر في العالم، حيث يبلغ عدد الناخبين المؤهلين للمشاركة فيها حوالي 969 مليون ناخب. ويتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 2600 حزب سياسي مسجل على 543 مقعدًا في مجلس النواب. ويشارك في إدارة هذه العملية الانتخابية الضخمة حوالي 15 مليون مراقب وموظف تابعين للجنة الانتخابات الهندية. وقد استغرقت عملية الاقتراع 44 يومًا، وخلال هذه الفترة، أفادت التقارير بأن رئيس الوزراء الحالي مودي، الذي يسعى للفوز بولاية ثالثة، شارك في أكثر من 200 فعالية عامة وأجرى 80 مقابلة.
إن النظرة السطحية لهذه الأرقام قد توحي بأننا أمام "عرس ديمقراطي" حقيقي، لكن الحقائق غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا وخداعًا.
ففي السنوات الأخيرة، شهدت الهند تراجعًا ملحوظًا في الحريات الديمقراطية. فقد تم قمع حرية وسائل الإعلام، ولم يتبق سوى القليل من الاستقلال الصحفي في كبريات المؤسسات الإعلامية. وبات الإعلام يُعرف بعبارة "غودي ميديا"، وهي تلاعب لفظي يدمج بين اسم مودي ونوع من الكلاب الصغيرة المدللة، في إشارة إلى تحول الصحف والقنوات الكبرى إلى ذراع دعائية لحزب بهاراتيا جاناتا. أما الصحفيون المعارضون، فقد تعرضوا للاستهداف المباشر من قبل فريق رئيس الوزراء والوكالات الاقتصادية والاستخباراتية الفدرالية. وفي عام 2024، أعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن وسائل الإعلام الهندية تعيش في "حالة طوارئ غير رسمية".
كما تعرضت حقوق الأقليات في الهند للهجوم بشكل منظم وممنهج. وشملت الإجراءات القمعية الاحتجاز التعسفي والاعتقال التعسفي، والجلد العلني، وهدم المنازل والممتلكات التجارية وأماكن العبادة. وقد ساعدت هذه الإجراءات القوميين الهندوس بقيادة مودي على ترسيخ هيمنتهم في السياسة الهندية قبل فترة طويلة من بدء الانتخابات الحالية. ومع ذلك، في الفترة التي سبقت هذه الانتخابات، بدا أنهم غير واثقين تمامًا من تحقيق نصر سهل ومضمون، فما هو السبب وراء ذلك؟
لاحظ المراقبون أنه على الرغم من أن معظم المحللين لا يشككون في فوز مودي، إلا أن حماسة المتطرفين القوميين المحيطين به بدت أقل حدة بكثير مما كانت عليه في الماضي. وقد انعكس ذلك في صورة انخفاض طفيف في إقبالهم على التصويت في الانتخابات التي تجرى على 7 مراحل. علاوة على ذلك، تلقت صورة حزب بهاراتيا جاناتا، الذي طالما قدم نفسه على أنه "محارب الفساد"، ضربة قوية في أواخر شهر مارس/ آذار عندما تم الكشف عما يسمى بـ "مخطط السندات الانتخابية"، وهو برنامج شديد السرية لـ "تمويل الانتخابات" قدمته حكومة مودي في مشروع قانون المالية لعام 2017، وكان حزب بهاراتيا جاناتا هو المستفيد الأكبر منه. وقد وصفت المعارضة هذا المخطط بأنه "أكبر عملية ابتزاز في العالم" يديرها رئيس الوزراء بنفسه.
ويبدو أيضًا أن الحزب قد استنفد القضايا التي يمكن أن يحشد حولها الناخبين. فقد تحققت بالفعل وعود انتخابية طموحة، مثل بناء معبد رام في أيوديا على أنقاض مسجد بابري، الذي دمره حشد هندوسي متطرف في عام 1992، وإلغاء الوضع الخاص الذي يكفله الدستور لولاية جامو وكشمير، مما حول الاهتمام العام إلى "قضايا الخبز والزبدة"، في إشارة إلى الوضع الاقتصادي الصعب والأحوال المعيشية المتدهورة للكثيرين، وهو الجانب الذي كان فيه أداء الحزب الحاكم مخيبًا لآمال أنصاره.
في الهند، لا يزال حوالي 800 مليون شخص يعتمدون على الحصص التموينية الحكومية. ويبلغ معدل البطالة بين الشباب في الفئة العمرية بين 20 و 24 عامًا حوالي 50%، في حين أن التفاوت الطبقي قد تجاوز المستويات التي كانت سائدة في أيام الاستعمار البريطاني. وفي عهد مودي، تستأثر شريحة صغيرة تبلغ 1% من المواطنين بنحو 40.1% من الدخل القومي، مما يخلق تفاوتًا يعتبر من بين الأعلى في العالم، متجاوزًا بذلك دولًا مثل جنوب أفريقيا والبرازيل والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من قلق الحكومة من تأثير هذه الحقائق على نتائج الانتخابات، فإنها لم تكن مستعدة للتنازل عن مبادئها وسياساتها.
يمتلك حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم موارد مالية تفوق جميع الأحزاب السياسية الأخرى مجتمعة. ومع ذلك، عندما حاول حزب المؤتمر الهندي، أكبر حزب معارض في البلاد، جمع تبرعات فردية صغيرة، تدخلت الحكومة من خلال إدارة الضرائب على الدخل، وقامت بتجميد الحسابات المصرفية للحزب، ومصادرة مبلغ 14 مليون دولار منها.
ونتيجة لذلك، صرح الرئيس السابق لحزب المؤتمر، راهول غاندي، بأنه لم يتمكن من القيام بحملة انتخابية فعالة قبل الانتخابات. وقال للصحفيين: "لا يمكننا دفع أجور موظفينا، ولا يستطيع مرشحونا وقادة الحزب السفر جوًا أو بالقطار. هذا عمل إجرامي ضد حزب المؤتمر قام به رئيس الوزراء ووزير الداخلية. والادعاء بوجود نظام ديمقراطي ليس إلا كذبة. لا توجد ديمقراطية في الهند اليوم."
وقبل أقل من شهر من الانتخابات، ألقت وكالة الجرائم المالية الفدرالية القبض على رئيس وزراء دلهي وزعيم حزب "آم آدمي"، أرفيند كيجريوال، بتهمة "الكسب غير المشروع" فيما يتعلق بسياسة الخمور في المدينة. وأكد أعضاء الحزب أن هذه كانت خطوة ذات دوافع سياسية واضحة تهدف إلى منعه من القيام بحملات انتخابية. وقال أحد كبار قادة الحزب والمسؤول المالي في دلهي، أتيشي: "كانت هذه طريقة لسرقة الانتخابات".
وطوال الفترة الانتخابية، سعى الحزب الحاكم إلى تذكير الناخبين بأفكاره التأسيسية، أي روحه وتطلعاته المعادية للإسلام. وفي العادة، يسمح مودي لأعضاء آخرين في حزبه بالانخراط في خطاب معادٍ للإسلام بشكل علني، بينما يحافظ هو نفسه على صورة الزعيم الروحي المتقشف والزاهد في كل شيء. ومع ذلك، فقد شعر هذه المرة بالحاجة إلى أن يستخدم شخصيًا فزاعة الإسلام، فاستخدم خلال الحملة الانتخابية، وبانتظام، لغة شعبوية تحريضية ووصف المسلمين بأنهم "متسللون لهم عائلات كبيرة".
ودون تقديم أي دليل ملموس، ادعى مودي أنه في ظل حكم حزب المؤتمر، كان للمسلمين "الحق الأول في الموارد". وحذر من أن حزب المعارضة سيقوم بجمع كل ثروة الهندوس وإعادة توزيعها بين "المتسللين" (المسلمين)، وحذر النساء الهندوسيات من أنهم سيأخذون ذهبهن و"يعيدون توزيعه على المسلمين". وخلال تجمع جماهيري في بلدة خارغون بولاية ماديا براديش، قال مودي أيضًا إن حزب المؤتمر يمارس "جهاد التصويت" من خلال حشد المسلمين ضد مودي.
في الرابع من يونيو/ حزيران، من المرجح أن يتم إعلان مودي فائزًا في الانتخابات. لكن هذا النصر لن يزيل قلقه العميق بشأن ضمان سيطرته الكاملة على المشهد السياسي الهندي. وكما فعل في الفترة التي سبقت الانتخابات، فمن المرجح أن يواصل حزب بهاراتيا جاناتا ومودي جهودهما الحثيثة لزيادة ترسيخ الاستبداد والهيمنة القومية الهندوسية. ولسوء الحظ، وفي ظل ديمقراطية متدهورة بالفعل، فإن هذا يعني المزيد من الإجراءات القمعية، وربما القضاء التام على ما تبقى من سبل الاحتجاج السلمي على الهيمنة القومية الهندوسية.
